هل صيام الست من شوال مكروه عند المالكية؟ وما حكم جمعها مع صيام القضاء بنية واحدة؟

هل صيام الست من شوال مكروه عند المالكية؟ وما حكم جمعها مع صيام القضاء بنية واحدة؟ 


سائل يسأل: أنا إمام وكثيرا ما ترد علي أسئلة في هذه الأيام تتعلق بصوم الست من شوال؛ فهل صحيح أن المالكية قالوا بكراهة صومها؟ وهل صحيح أن حديث الست من شوال لم يبلغ الإمام مالكا؟ وما حكم من جمع صيامها مع صيام القضاء بنية واحدة؟ أريد الجواب بالتفصيل مع الإشارة إلى المذاهب الأخرى إن أمكن... جزاك الله خيرا. 



الجواب وبالله التوفيق: 

لبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. 

وبعد؛ فإن الله عز وجل شرع بجانب كل فريضة نوافل لجبر ما قد يكون فيها من نقص أو خلل، ومما شرع على لسان نبيهﷺ صيام الست من شوال؛ روى الإمام مسلم وغيره أن النبيﷺ قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، وصيامها مشروع ومندوب إليه؛ بيد أن الإمام مالكا -رحمه الله- كرهه لعلة بينها في الموطأ فقال: "إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء(1).

قال القاضي عياض: "ولعل مالكاً إنما كره صومه على هذا، وأن يعتقد من يصومه أنه فرضٌ، وأما من صامه على الوجه الذى أراد النبى -عليه السلام- فجائز"(2). 

وأما قول من ادعى بأن الحديث لم يبلغ مالكاً فدعوى بدون بينة؛ لأن الحديث رواه الستة، ومثل هذا مما لا يخفى على مالك وهو عالم المدينة وإمام المحدثين "لا يجهل شيئا من هذا"(3).

أما جمع صيامها مع صيام القضاء بنية واحدة فيدخل ضمن ما يسمى عند الفقهاء بالتشريك بين عبادتين بنية واحدة؛ ولم يتطرق المالكية في مسألة التشريك لصيام القضاء مع صيام الست من شوال بنية واحدة لكونه مكروها عندهم للعلة السابقة، ولكنهم أوردوا التشريك في جزئيات أخرى منها: في صيام القضاء مع صيام عاشوراء أو عرفة؛ والوضوء مع الغسل، والغسل للجمعة مع الجنابة، وتحية المسجد مع الظهر، وركعتي الإحرام أو ركعتي الطواف مع الفريضة...  

ويمكن تصنيف الجواب عنه حسب الأفضلية إلى ثلاثة أصناف:

1) الأفضل في الدرجة الأولى: أن يصوم القضاء على حدة مقدما إياه على ست من شوال، وخصوصا في حق من في نيته أن يرد القضاء في شَوَّالٍ؛ لأن فضيلة الست من شوال لا تحصل -حسب ظاهر الحديث السابق- إلا لمن قضى ما عليه من أيام رمضان التي أفطرها لعذر؛ وفي هذه الحالة فائدتان: اتفاق العلماء عليها، والخروج من الخلاف.

2) يأتي في الدرجة الثانية: أن يصوم الست من شوال ثم يتبعه القضاء وقت ما شاء وخصوصا في حق من في نيته أن يؤخر القضاء عن شَوَّالٍ، وقد اختلف فيه العلماء: 

فالحنفية قالوا بالجواز مطلقا لأن وقت الست وهو شوال أضيق من وقت القضاء وهو السنة كلها، فقدم المضيق على الموسع. 

والحنابلة قالوا بتحريم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان مطلقا؛ لأن دين الله أحق بالقضاء، ولأن الفريضة أولى بالبدء والمسارعة من النافلة، ولا يخفى ما في هذا من التشدد؛ لأن التحريم يحتاج إلى دليل، ولا دليل هنا يعتمد عليه.

والمالكية والشافعية توسطوا فقالوا بالجواز مع الكراهة، لما يترتب على الاشتغال بالتطوع عن القضاء من تأخير الواجب، وخير الأمور أوسطها؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}؛ ودليل الجواز ما ثبت أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانَ يكونُ عليَّ الصومُ مِنْ رمضانَ، فما أستطيعُ أن أقضيَ إِلا في شعبانَ» ذلك عن الشُّغْلِ بالنبيِّﷺ. أخرجه البخاري ومسلم.

3) في الدرجة الثالثة: أن يجمع بين القضاء والست من شوال بنية واحدة؛ وهو في حكم الجمع بين النفل والفرض كتحية المسجد مع الظهر، أو بين الأصغر والأكبر كالوضوء مع الغسل؛ وقد أجمع العلماء على جواز ذلك في الوسائل مثل الوضوء مع الغسل، أو الغسل للجمعة مع الجنابة، كما أجمعوا على جوازه في مسألة واحدة من المقاصد، وهي القران في الحج؛ إذ هو جمع بين العمرة والحج بنية واحدة، وبه حج النبيﷺ على الراجح، واختلفوا فيما عداها من المقاصد مثل تحية المسجد مع الظهر، أو القضاء مع عاشوراء إلى ثلاثة أقوال: 

القول الأول: المالكية اختلف قولهم حسب العبادات والذبائح:

أما في العبادات فقالوا بالجواز مطلقا؛ سواء كانت العبادة مقصودة لذاتها فقط، أو كانت مقصودة لذاتها واسمها معا:

أما العبادة المقصودة لذاتها فقط فمثل: تحية المسجد وركعتي الإحرام وركعتي الطواف مع الفريضة كالظهر؛ إذ تقوم مقامها، لأن المقصود هنا هو ذات الصلاة بغض النظر عن اسمها، ومثلها طواف القدوم مع طواف الركن للعمرة؛ لأن المقصود من الداخل للمسجد الحرام هو ذات الطواف بغض النظر عن اسمه. 

أما العبادة المقصودة لذاتها واسمها معا فمثل صوم القضاء مع صوم عاشوراء أو مع ست من شوال، أو كَسُنَّةِ الظهر من الرواتب مع فرضه. 

قال الإمام على العدوي نقلا عن بدر الدين القرافي(4): "فائدة: انظر لو صام يوم عرفة عن قضاء عليه ونوى به القضاء وعرفة معاً فالظاهر أنه يجزئ عنهما معا؛ قياساً على من نوى بغسله الجنابة والجمعة فإنه يجزئ عنهما معا، وقياساً على من صلى الفرض ونوى التحية"(5). 

وقال الدسوقي: "واعلم أنه يؤخذ من هذه المسألة صحة نية صوم عاشوراء للفضيلة والقضاء، ومال إليه ابن عرفة، ويُؤْخَذُ منه أيضا أن مَنْ كبر تكبيرة واحدة ناويا بها الإحرامَ والركوعَ فإنها تُجْزِئُهُ، وأنه إن سَلَّمَ تسليمة واحدة ناويا بها الفرضَ والردَّ فإنها تُجْزِئُهُ، وبه قال ابن رشد"(6). 

أما في الذبائح فقال المالكية بعدم جواز التشريك فيها إذا كانت مقصودة بذاتها واسمها معا؛ مثل التشريك بين الأضحية والعقيقة(7)، وأجازوه إذا كانت مقصودة بذاتها دون اسمها؛ مثل إطعام الأضحية أو العقيقة في وليمة للعرس؛ قال ابن العربي: "تكلمنا يوماً بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري (الطرطوشي) فقال: إذا ذبح الرجل أضحيته للأضحية والعقيقة لم تجزئه، فلو أطعمها وليمة للعرس أجزأته؛ والفرق: أن المقصود في الأولين إراقة الدم، وإراقة لا تجزئ عن إراقتين، والمقصود من الوليمة الإطعام وهو غير مناف للإراقة فأمكن الجمع"(8). 

القول الثاني: الحنفية قالوا بعدم جواز التشريك في المقاصد بين فرضين مثل الطهر والعصر، ولا بين فرض ونفل مطلقا؛ سواء كانت العبادة مقصودة لذاتها فقط؛ مثل تحية المسجد مع الظهر، أو كانت مقصودة لذاتها واسمها معا؛ مثل صوم القضاء مع صوم عاشوراء أو مع ست من شوال، أو كالظهر مع راتبته من النوافل، فلا يصح التشريك، لأن كل عبادة إذا استقلت عن الأخرى فإنها لا تندرج تحت العبادة الأخرى.

وأما إذا نوى نافلتين، كما إذا نوى بركعتي الفجر تحية المسجد وسنة الفجر، أو صيام الست من شوال مع يوم الاثنين والخميس أجزأت عنهما(9). 

القول الثالث: الشافعية قالوا بجواز التشريك في المقاصد المقصودة لذاتها فقط؛ مثل تحية المسجد أو ركعتي الطواف مع الفريضة، دون المقاصد المقصودة لذاتها واسمها معا؛ كَسُنَّةِ الظهر مع فرضه(10)؛ ومثله صوم القضاء مع صوم عاشوراء أو مع ست من شوال.


أما خلاصة المذهب المالكي في المسألة ففي النقط التالية:

• أن الإمام مالكا إنما كره صيام الست من شوال لعلتين: لأنه ليس عليه عمل أهل المدينة، وإعمالا لسد الذرائع حتى لا يُلحِق أهلُ الجهالة والجفاء برمضان ما ليس منه، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما؛ وإذا انتفت العلة انتفى المعلول. 

• الأفضل تقديم القضاء على الست من شوال وهو جائز بالإجماع. 

• تقديم الست من شوال على القضاء جائز عند المالكية مع الكراهة.

• التشريك بينهما في نية واحدة الظاهر الجواز عند المالكية في العبادات؛ وسائل كانت، كالغسل للجنابة وللجمعة، أو مقاصد مثل تحية المسجد مع الظهر، أو صوم القضاء مع صوم عاشوراء أو مع ست من شوال. 

• أما في الذبائح فالمذهب عدم الجواز إذا كانت مقصودة لذاتها واسمها معا؛ مثل جمع العقيقة مع الأضحية فلا يجزئه عن أي واحد منهما. وأما إذا كانت مقصودة بذاتها دون اسمها؛ مثل إطعام الأضحية أو العقيقة في وليمة للعرس فالجواز. 

هذا فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فسبحان الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

(1) الموطأ: (ج1/ص310)

(2) إكمال المعلم للقاضي عياض: (4/139).

(3) الاستذكار لابن عبد البر: (3/ 380)

(4) المراد هنا هو بدر الدين القرافي محمد بن يحيى شيخ المالكية عاش في القرن العاشر، له "شرح على مختصر ابن الحاجب"، وهو غير شهاب الدين القرافي صاحب "الذخيرة" و"الفروق"، الذي عاش في القرن السابع.

(5) حاشية العدوي على شرح الخرشي لمختصر خليل (2/241)

(6) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/133).

(7) وهو الراجح عند الشافعية، أما الحنابلة فالأرجح عندهم الجواز. انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج للهيثمي مع حاشية الشرواني الشافعي: (9/ 369 و370)، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي: (1/ 616).

(8) انظر: المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك لابن العربي: (5/331)، والقبس في شرح موطأ مالك بن أنس له أيضا: (2/ 392)، والذخيرة للقرافي: (4/ 166)، ومواهب الجليل للحطاب: (4/ 393).

(9) الموسوعة الفقهية الكويتية (42/ 91)

(10) حاشية الجمل على شرح المنهج: (1/ 333)


عبدالله بنطاهر

يوم الجمعة 5 شوال 1438هـ 30 / 6 / 2017م.

مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.

المصدر كتابي "أجوبة وفتاوى فيما استجد في العصر من النوازل والقضايا" كتاب ينتظر فرصته للطبع إن شاء الله

إرسال تعليق

1 تعليقات