مختصر ميسر في زكاة الفطر في إطار المذهب المالكي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا جنده، وعلى التابعين لهم بإحسان ما التزموا أمره ووعده.
سائل يسأل: من فضلك أريد مختصرا ميسرا في زكاة الفطر على ضوء المذهب المالكي مثل رؤوس الأقلام قصد الاستعانة بها في الدروس؟
الجواب والله الموفق للصواب:
يمكن أن نلخص أحكام زكاة الفطر على ضوء المذهب المالكي في النقطة الخمسة التالية:
1) متى شرعت، وأدلة مشروعيتها؟
2) حكمها، وحكمتها؟
3) وقت وجوبها، ووقت إخراجها؟
4) مما تخرج، وما هو قدرها؟
5) على من تجب، ولمن تعطى؟
أولا: متى شرعت وأدلة مشروعيتها؟
زكاة الفطر تسمى زكاة النفس أو زكاة الأبدان، فهي في مقابلة زكاة المال، وشرعت في السنة الثانية من الهجرة، ودل على مشروعيتها الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب فقال التابعي الجليل عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس رضي الله عنهم قال: "يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}(1)، وروى ابن خزيمة: «أن رسول اللهﷺ سُئِلَ عن هذه الآية...، فقال: أُنْزِلَتْ في زكاة الفطر»(2).
أما السنة فمنه ما روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرضَ رسولُ اللهﷺ زكاة الفطر من رمضان: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على الحر والعبد، والذكر، والأُنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة»(3).
أما الإجماع فقال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض"(4)، وقال البيهقي: "وقد أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر"(5).
ثانيا: حكمها وحكمتها:
أما حكمها فهي: فرض على كل مسلم صغير وكبير ذكر وأنثى كما في الحديث السابق.
أما حكمتها؛ فقد فرضت لحكمتين أساستين:
• حكمة فردية؛ تطهير الصائم مما قد يقع فيه من أخطاء أثناء الصيام، والزكاة في أصلها هي طهارة؛ قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.
• حكمة اجتماعية؛ توفير الطعام للمساكين وإغناؤهم عن التسول يوم العيد، تعميما للفرح والسرور؛ روى أبو داود عن ابن عباس قال: «فرض رسولُ اللهﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين؛ من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»(6).
ثالثا: وقت وجوبها ووقت إخراجها:
أما وقت وجوبها فقيل: تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وقيل: تجب بطلوع فجر يوم العيد؛ والخروج من هذا الخلاف أن نقول بوجوبها على من توفي وعلى من ولد ليلة العيد معا احتياطا للدين.
أما وقت إخراجها فهو على ثلاثة أقسام:
أ) وقت الأداء الفاضل وهو: ما بين صلاة الفجر من يوم العيد، وصلاة العيد.
ب) وقت الجواز وهو قبل العيد بيومين أو ثلاثة؛ روى الإمام مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر: «كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة»(7)، وروى أبو داود عن نافع: «أن ابن عمر قال: أَمرَنا رسولُ اللهﷺ بزكاة الفطر: أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إِلى الصلاة، ...وكان ابن عمر يؤدِّيها قبل ذلك باليوم واليومين»(8).
ج) وقت القضاء وهو: بعد صلاة العيد ولا تسقط بمضي زمنها؛ للحديث السابق: «...من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
رابعا: مما تخرج وما هو قدرها:
أما ما تخرج منه فهو: من غالب قوت أهل البلاد، وغالب القوت عندنا في المغرب هو القمح الصلب، والقمح الطري: ويعرف عندنا بـ"فرينا"، ولا يضر إن كان أحد يقتات من الشعير فقط؛ لأن العبرة بغالب قوت البلاد؛ ويجوز إخراجها من الحبوب وهو الأصل، ومن الدقيق، ومن الخبز، ومن قيمة الحبوب.
أما قدرها فهو:
أ) من الحبوب صاع، والصاع هو أربعة أمداد؛ أي: أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، أما بالكيلو المعمول به حاليا فيختلف حسب نوعية الحبوب؛ من القمح، والشعير، والروز، وغيرها، ومعلوم أن وزن الحبوب يختلف؛ فمنها الخفيف ومنها الثقيل ومنها المتوسط؛ بل يختلف وزن الصاع من نفس النوع من الحبوب؛ فالمحصول الجديد أكثر وزناً من المحصول القديم، ولذلك إذا احتاط الإنسان وأخرج زيادة كان أحوط وأحسن
وقدره حسب القمح الصلب والطري"فرينا": (2.5)؛ كيلوان ونصف تقريبا، وحسب الشعير (1.75)؛ كيلوان إلا 25 غراما.
ب) من الدقيق هو: (2.25)؛ كيلوان وربع حسب دقيق القمح الصلب والطري "فرينا"، وحسب الشعير: (1.5)؛ كيلو ونصف.
ج) من الخبز حسب دقيق القمح الصلب والطري "فرينا": (18رغيفا) من الحجم الكبير، (36رغيفا) من الحجم الصغير، وحسب دقيق الشعير: (12رغيفا) من الحجم الكبير.
د) من القيمة؛ وهي جائزة في المذهب الحنفي، ولا تصح في المشهور عند المالكية؛ ولكن المجلس العلمي الأعلى بالمغرب قد أفتى بجوازها. ونحن في انتظار تحديده لها هذه السنة بقيمة كحد أدنى تلتزم به جميع المجالس العلمية المحلية توحيدا للمقدار الذي يخرج بالقيمة؛ وإخراج زكاة الفطر بالحبوب هو الأصل الأصح، وإخراجها بالقيمة هو القول الأصلح.
خامسا: على من تجب ولمن تعطى:
أما من تجب عليه؛ فإنها تجب على كل مسلم أن يخرجها عن نفسه وأن يخرجها عمن تجب عليه نفقته؛ من الزوجة، والأولاد، والوالدين، ولا بأس أن يخرجها عن الخدم المنزلي، وتقبل فيها النيابة كما يجوز فيها التبرع بإخراجها عن الغير.
أما من تعطى له فهو: المسلم الفقير أو المسكين فقط، ولا تعطى لبقية مصارف زكاة المال الثمانية إلا بصفة الفقير والمسكين؛ فالفقير هو: الذي لا يضمن قوت سنته؛ وفي حكمه العامل الذي يشتغل في عمل غير مضمون يوميا، بحيث يمكن أن يجد العمل يوما ويمكن أن يفقده أياما. والمسكين هو الذي لا يضمن قوت يومه؛ وهو أحوج من الفقير، والفقير أحسن وأفضل حالاً من المسكين؛ فالموظف أو العامل الذي يضمن لنفسه بعمله راتبا شهريا قارا يكفيه مؤونته شهريا ليس بفقير ولا بمسكين.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.
الهامش:
(1) فتح الباري لابن حجر (3/ 375)
(2) صحيح ابن خزيمة: (4/ 90).
(3) صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب فرض صدقة الفطر: (2/ 130): رقم (1503)، وصحيح مسلم: كتاب الزكاة: باب زكاة الفطر على المسلمين: (2/ 677): رقم (12-984).
(4) كتاب الإجماع لابن المنذر (ص: 47).
(5) المجموع للنووي (6/ 104).
(6) سنن أبي داود: كتاب الزكاة: باب زكاة الفطر: (2/ 111): (1609).
(7) موطأ مالك: كتاب الزكاة: باب وقت إرسال زكاة الفطر: (1/ 285) رقم: (55).
(8) سنن أبي داود: كتاب الزكاة: باب زكاة الفطر: (2/ 111): (1610).
عبد الله بنطاهر
23 رمضان 1438هـ 18 / 6 / 2017.
0 تعليقات